فصل: الحكم الثاني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.أحكام القضاء:

وللقضاء الشرعي أحكام يعسر إحصاؤها في القضايا الخاصة ومشاكلها، وللكثير من هذه الاحكام دلالات وقواعد صدرت عنها ومبادئ قررتها، ونكتفي هنا بأن نشير إلى هذه الاحكام.

.الحكم الأول:

وقد صدر من محكمة كرموز الجزئية بتاريخ 10 إبريل 1932 وتأيد من محكمة الاسكندرية الابتدائية في 29.
مايو سنة 1932 وهو يقضي برفض دعوى أب طلب ضم ابنته الصغيرة إليه، لاقامة أمها وهي زوجته في بلد بعيد عن البلد الذي كان محل إقامتهما، وفيه عقد زواجها، وهذا يسقط حقها شرعا في الحضانة.
وقد استندت المحكمة في حكمها إلى أن الثابت فقها أن الأم أحق بالحضانة قبل الفرقة وبعدها وأن نشوز الزوجة لا يسقط حقها في الحضانة، وعلى الاب إذا أراد ضم الصغير إليه أن يطلب دخول أمه في طاعته مادامت الزوجية قائمة، فإن لم يفعل وطلب ضم الصغير وحده كان ظالما ولا يجاب إلى طلبه، لأن ذلك يفوت على الأم حضانته وحق رويته.
وهكذا قرر هذا الحكم هذه القاعدة: إذا انتقلت أم الصغير بولدها ولو إلى مكان بعيد فليس للاب حق نزعه منها مادامت الزوجية قائمة لأن له عليها سلطان الزوجية وإدخالها في طاعته، فيضمه بضمها إليه.
وكذلك المعتدة لوجوب إسكانها بمسكن العدة.

.الحكم الثاني:

وقد صدر من محكمة ببا الجزئية في 25 مايو سنة 1931 وتأيد استئنافيا من محكمة بني سويف الكلية في 20 يوليو سنة 1931 وقد قرر هذه القاعدة: يرفض طلب الاب ضم ابنه الصغير إليه، لعدم تمكنه من الحضور من بلده إلى بلد أمه وحاضنته لرؤيته والعودة قبل الليل، مادامت الأم مقيمة في بلد هو وطنها، ولم يكن بينه وبين بلد الاب التي ابتعد هو عنها تفاوت كبير يمنعه من الذهاب لرؤية ولده والعودة إلى بلده قبل الليل، سواء أكان ابتعاده عن ذلك البلد بإرداته أم بغير إرادته لأنه لا ذنب للحاضنة في هذا على كل حال.
ويؤخذ من وقائع هذه الدعوى أن المدعي كان قد تزوج المدعي عليها في بلدها بني مزار، ثم رزقت منه حال قيام الزوجية ببنت وطلقت منه في البلد المذكور وانتهت عدتها بوضع الحمل، ثم أقامت المدعي عليها دعوى بمدينة نبا وأخذت عليه حكما من محكمتها بحضانة الصغيرة بتاريخ 29 أكتوبر سنة 1930 حين كان المدعي مقيما ببني مزار، وانتهى الأمر باقامته بأسيوط بحكم وظيفته حيث رفع هذه الدعوى طالبا ضم ابنته إليه وهي لا تزيد سنها عن سنتين وثمانية أشهر.

.الحكم الثالث:

وقد صدر من محكمة دمنهور في 25 اكتوبر سنة 1927 ولم يستأنف وهو يقرر في حيثياته أن المنصوص عليه شرعا أن غير الأم من الحاضنات ليس لها نقل الصغير من بلد أبيه إلا بإذنه.
ولكن بعض الفقهاء حمل المنع على المكانين المتفاوتين، بحيث لو خرج الاب لرؤية ولده لا يمكنه الرجوع إلى منزله قبل الليل لا المتقاربين، حيث لم يفرق بين الأم وغيرها في ذلك.
وهكذا نرى أنه من الضروري الوقوف على أحكام القضاء التي تعتبر تطبيقا عمليا للنصوص الفقهية، ففيها تعالج مشاكل الحياة العملية وينظر القاضي لهذه النصوص على ضوء الواقع في الحياة نفسها.

.الحدود:

.تعريفها:

الحدود جمع حد، والحد في الاصل: الشئ الحاجز بين شيئين.
ويقال: ما ميز الشئ عن غيره.
ومنه: حدود الدار، وحدود الأرض.
وهو في اللغة بمعنى المنع.
وسميت عقوبات المعاصي حدودا، لأنها في الغالب تمنع العاصي من العود إلى تلك المعصية التي حد لاجلها.
ويطلق الحد على نفس المعصية ومنه:
{تلك حدود الله فلا تقربوها}.
والحد في الشرع عقوبة مقررة لأجل حق الله.
فيخرج التعزير لعدم تقديره إذ أن تقديره مفوض لرأي الحاكم.
ويخرج القصاص لأنه حق الادمي.

.جرائم الحدود:

وقد قرر الكتاب والسنة عقوبات محددة لجرائم معينة تسمى جرائم الحدود وهذه الجرائم هي: الزنا، والقذف، والسرقة، والسكر، والمحاربة، والردة، والبغي.
فعلى من ارتكب جريمة من هذه الجرائم عقوبة محددة قررها الشارع.
فعقوبة جريمة الزنا، الجلد للبكر والرجم للثيب.
يقول الله سبحانه: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا}.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة، والرجم».
وعقوبة جريمة القذف ثمانون جلدة.
يقول الله سبحانه: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون} وعقوبة جريمة السرقة، قطع اليد.
يقول الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم}.
وعقوبة جريمة الفساد في الأرض: القتل، أو الصلب، أو النفي، أو تقطيع الايدي والارجل من خلاف، يقول الله سبحانه: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم}.
وعقوبة جريمة السكر، ثمانون جلدة، أو أربعون على ما سيأتي مفصلا في موضعه.
وعقوبة الردة القتل، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من بدل دينه فاقتلوه».
وعقوبة جريمة البغي: القتل.
لقول الله سبحانه: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين}.
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه ستكون بعدي هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر المسلمين وهم جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان».

.عدالة هذه العقوبات:

وهذه العقوبات - بجانب كونها محققة للمصالح العامة وحافظة للامن العام فهي عقوبات عادلة غاية العدل.
إذ أن الزنا جريمة من أفحش الجرائم وأبشعها.
وعدوان على الخلق والشرف والكرامة.
ومقوض لنظام الاسر والبيوت.
ومروج للكثير من الشرور والمفاسد التي تقضي على مقومات الافراد والجماعات، وتذهب بكيان الأمة، ومع ذلك فقد احتاط الإسلام في اثبات هذه الجريمة، فاشترط شروطا يكاد يكون من المستحيل توفرها.
فعقوبة الزنا عقوبة قصد بها الزجر والردع والارهاب أكثر مما قصد بها التنفيذ والفعل.
وقذف المحصنين والمحصنات من الجرائم التي تحل روابط الاسرة وتفرق بين الرجل وزوجه، وتهدم أركان البيت، والبيت هو الخلية الأولى في بنية المجتمع، فبصلاحها يصلح، وبفسادها يفسد.
فتقرير جلد مقترف هذه الجريمة ثمانين جلدة بعد عجزه عن الاتيان بأربعة شهداء يؤيدونه فيما يقذف به، غاية في الحكمة وفي رعاية المصلحة، كيلا تخدش كرامة إنسان أو يجرح في سمعته.
والسرقة ما هي إلا اعتداء على أموال الناس وعبث بها.
والأموال أحب الاشياء إلى النفوس.
فتقرير عقوبة القطع لمرتكب هذه الجريمة حتى يكف غيره عن اقتراف جريمة السرقة، فيأمن كل فرد على ماله، ويطمئن على أحب الاشياء لديه وأعزها على نفسه، مما يعد من مفاخر هذه الشريعة.
وقد ظهر أثر الاخذ بهذا التشريع في البلاد التي تطبقه واضحا في استتباب الأمن وحماية الأموال وصيانتها من أيدي العابثين، والخارجين على الشريعة والقانون.
وقد اضطر الاتحاد السوفيتي أخيرا إلى تشديد عقوبة السرقة بعد أن تبين له أن عقوبة السجن لم تخفف من كثرة ارتكاب هذه الجريمة، فقرر إعدام السارق رميا بالرصاص وهي أقسى عقوبة ممكنة.
والمحاربون الساعون في الأرض بالفساد المضربون لنيران الفتن، المزعجون للامن، المثيرون للاضطرابات، العاملون على قلب النظم القائمة، لا أقل من أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض.
والخمر تفقد الشارف عقله ورشده، وإذا فقد الإنسان رشده وعقله ارتكب كل حماقة وفحش، فإذا جلد كان جلده مانعا له من المعاودة من جانب، ورادعا لغيره من اقتراف مثل جريرته من جانب آخر.
وجوب إقامة الحدود: إقامة الحدود فيها نفع للناس، لأنها تمنع الجرائم، وتردع؟؟ اة، وتكف من تحدثه نفسه بانتهاك الحرمات، وتحقق الأمن لكل فرد، على نفسه، وعرضه وماله، وسمعته، وحريته، وكرامته، وقد روى النسائي وابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حد يعمل به في الأرض خير لاهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا».
وكل عمل من شأنه أن يعطل إقامة.
الحدود فهو تعطيل لاحكام الله، ومحاربة له، لأن ذلك من شأنه إقرار المنكر وإشاعة الشر.
روى أحمد، وأبو داود، والحاكم وصححه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فهو مضاد الله في أمره».
وقد يحدث أن يغفل المرء عن الجناية التي يرتكبها الجاني وينظر إلى العقوبة الواقعة عليه، فيرق قلبه له ويعطف عليه، فيقرر القرآن أن ذلك مما يتنافى مع الايمان، لأن الايمان يقتضي الطهر والتنزه عن الجرائم والسمو بالفرد والجماعة إلى الأدب العالي والخلق المتين.
يقول الله سبحانه: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}.
إن الرحمة بالمجتمع أهم بكثير من الرحمة بالفرد.
فقسا ليزدجروا، ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم الشفاعة في الحدود: يحرم أن يشفع أحد أو يعمل على أن يعطل حدا من حدود الله، لأن في ذلك تفويتا لمصلحة محققة، وإغراء بارتكاب الجنايات، ورضا بإفلات المجرم من تبعات جرمه.
وهذا بعد أن يصل الأمر إلى الحاكم، لأن الشفاعة حينئذ تصرف الحاكم عن وظيفته الأولى، وتفتح الباب لتعطيل الحدود.
أما قبل الوصول إلى الحاكم، فلا بأس من التستر على الجاني، والشفاعة عنده.
أخرج أبو داود، والنسائي، والحاكم وصححه من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب».
وأخرج أحمد، وأهل السنن، وصححه الحاكم من حديث صفوان بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما أراد أن يقطع الذي سرق رداءه فشفع فيه: «هلا كان قبل أن تأتيني به»؟! وعن عائشة قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه.
فكلم النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أسامة، لا أراك تشفع في حد من حدود الله عز وجل».
ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا.
فقال: «إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوا والذي نفسي بيده، لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها.» فقطع يد المخزومية، رواه أحمد، ومسلم، والنسائي.

.سقوط الحدود بالشبهات:

الحد عقوبة من العقوبات التي توقع ضررا في جسد الجاني وسمعته، ولا يحل استباحة حرمة أحد، أو إيلامه إلا بالحق، ولا يثبت هذا الحق إلا بالدليل الذي لا يتطرق إليه الشك، فإذا تطرق إليه الشك كان ذلك مانعا من اليقين الذي تنبني عليه الاحكام.
ومن أجل هذا كانت التهم والشكوك لا عبرة لها ولا اعتداد بها، لأنها مظنة الخطأ.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا» رواه ابن ماجه.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة» رواه الترمذي، وذكر أنه قد روي موقوفا، وأن الوقف أصح، قال: وقد روي عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم أنهم قالوا مثل ذلك.

.الشبهات وأقسامها:

تحدت الأحناف والشافعية عن الشبهات، ولكل منهما رأي نجمله فيما يأتي:

.رأي الشافعية:

يرى الشافعية أن الشبهة تنقسم أقساما ثلاثة: